الاثنين، 17 مارس 2008

لا توقظوا الدجاج السعودي !!!

ينظر المتشددون إلى مجتمعنا على أنه مجموعة من الدجاج تعيش في قن كبير. أفكارهم ورؤاهم حقنت على مدى سنين طويلة في أوردة المجتمع . وفي غياب الرأي الآخر أو لنقل سياسة إقصاء الآخر المتبعة عندنا منذ أزمة احتلال الحرم المكي على يد جهيمان وجماعته , كان المجتمع يتعرض لتأثير تيار فكري واحد من خلال الطرح على كافة المنابر ابتداءً بالمدارس والمساجد , ومروراً بحمى الشريط الإسلامي والمحاضرات والمطويات التي بلغت ذروتها في أوائل وأواسط التسعينيات الميلادية.

تكونت فكرة الوصاية على المجتمع لدى التيار المتشدد منذ فترة طويلة , فبعيد تأسيس المملكة كان تمرد الإخوان والذي أنهاه الملك عبدالعزيز في معركة السبلة. فضعف التيار ولكنه لم يمت , بل كان حاضراً بخفاء. وشكلت أزمة الإخوان المسلمين في مصر مع عبدالناصر في الخمسينيات من القرن الماضي وماتبعها من هجرة جماعية للعقول الإخوانية إلى السعودية منعطفاً هاماً حيث ضخت دماءً جديدة في التيار الإسلامي السعودي قائم على أطروحات سيد قطب في الحاكمية والنظرة إلى المجتمعات العربية حديثة النشوء على أنها مجتمعات جاهلية لأن حاكميها لا يطبقون الإسلام.

ثم جاءت نكسة حزيران لتدق آخر المسامير في نعش القومية العربية وتعطي زخماً للتيارات الإسلامية التي هبطت أطروحاتها على المواطن العربي وكأنها الحل السحري لانتشال الأمة من القاع.

عقدي السبعينيات والثمانينيات كانا بمثابة العصر الذهبي للحركات الإسلامية التي نجحت في فرض آرائها وأفكارها على المجتمعات العربية , والمجتمع السعودي بشكلٍ خاص. ويشكل الدعم الحكومي للمتشددين إتقاءً لشرهم بعد أزمة جهيمان مترافقاً مع دعمٍ آخر فرضته السياسات الخارجية وهو مايسمى جهاد السوفييت في أفغانستان , هذان المحوران شكلا حجر الزاوية في نمو السيطرة الأيديولوجية للتيار المتشدد.

مكاسب مايسمى بالصحوة الإسلامية والتي بدأت بالتحول إلى أحلام سياسية كان من الصعب عليهم التخلي عنها لصالح أي تيار آخر منافس أو حتى مشاركته فيها , ماعزز النظرة الأحادية والإقصائية ومحاولة شرعنتها بمصطلحات الولاء والبراء والفرقة الناجية وغيرها من المفردات التي أفرزتها صحوتهم ..

وظهر هذا واضحاً فيما رافق معرض الكتاب السنوي في الرياض من فتاوى تحذر مت التعامل مع دور نشر بعينها ومع مؤلفين بأسمائهم .. بل وصل بهم الحد إلى وصف كتب مخالفيهم بأنها أشد خطراً على المجتمع من المخدرات !! كما جاء في الفتوى التي أصدرها خمسة ممن يسمون كبار العلماء (لا أعلم هل هناك من يسمون أنفسهم صغار العلماء!!!)

أو تشبيه مايحصل في معرض الكتاب من السماح بالكتب التي لايرضى عنها المتشددون بعمل قوم لوط !! بل ويقول صاحب المقالة وهو أحد الشيوخ الموقعين على الفتوى : (بل والله هذه –إدخال الكتب المخالفة- أعظم منها ولا شك) ..

المقطع الأكثر فكاهةً في مقال الشيخ الدكتور هو قوله بأن القائمين على هذا المعرض يدعمون الإرهاب , وأنه هو جزاه الله خير من يقوم بكبح جماح الإرهابيين لكيلا يفجروا ويدمروا. وهذا ماقاله بالنص (والآن نحن أمام اختلاط مذموم في المعرض، وفساد فكرى يستقوي به "الإرهاب"، وأصارحكم، بأن هذه الكتب التي فيها محادة لله ورسوله هي أقوى مسوغات "الإرهاب"، ووالله إن هؤلاء الذين يحمون مثل هذا المعرض ويشرفون عليه وهم راضون عنه يدعمون "الإرهاب" من حيث أرادوا أم لم يريدوا، وأطلب أن يحاكموا، لأنهم يمنحون الشباب المبرر والتربة الخصبة لنمو الفكر المغالي، ونحن نجهد كثيراً لإقناع الشباب وحملهم على الحكمة ونهيبهم ألا يقعوا في الأخطاء والأغلاط ثم يأتي هؤلاء فيهدمون كل ما نقوم به؛ فهؤلاء هم الذين فعلاً يدعمون الغلو وهم الذين يدعمون الإرهاب وهم الذين يفسدون البلد.)

أما الفتاوى التحريضية والأشرطة النارية التي أصدرها شيخنا الجليل وغيره من الشيوخ خلال عقد التسعينيات والتي كانت تكفر الدولة وتحض على الخروج والجهاد وغير ذلك لم يكن لها أي يد فيما تعرضت له بلادنا من إرهاب !!!!!

مايحدث هو خوف جماعي للمتشددين من الثقافة , فهم يخافون أن يكتشف المجتمع مدى تهافت أفكارهم وسلبيتها عند الإطلاع على كتب من يخالفهم أو حتى من ينادي بالحرية وحقوق الإنسان والإبداع الفكري لأنها ستلغي وصايتهم على القن ومافيه من دجاج !!!!

متناسين بأن فرمانات الحرمان الكنسي التي يوزعونها يمنةً ويسرة على الكُّتاب هي بمثابة دعاية مجانية لكتبهم لأن الممنوع مرغوب مهما بلغت سخافة الطرح في هذه الكتب.

ومتناسين أيضاً بأن ماكان صعباً منذ عشر سنوات أصبح الآن سهلاً بوجود الإنترنت .. فليس أسهل من طلب الكتب الممنوعة عن طريق مواقع الشراء على الشبكة العنكبوتية , وإذا أردتم دليلاً فليس عليكم إلا النظر إلى قائمة الكتب الأكثر طلباً ومبيعاً في مواقع كنيل وفرات , ستجدون بأنها جميعاً لكتاب ممن وقع عليهم الحرمان الكنسي من قبل المتشددين.

كم تمنيت منهم أن يتناولوا الكتب التي يحاربونها بالنقد العلمي وتبيين أسباب مخالفتهم لها بدلاً من محاولة حجب الشمس بغربال ...



المتحنظل بأمر الله

ليست هناك تعليقات: